[]هل يعقل القلب ويفكر؟
* د. عبدالله أمين الأغا/ استشاري أمراض القلب – الولايات المتحدة الأمريكية
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/ 179).
ولعل القارئ المتدبّر يتداركه السؤال: وهل يفقه القلب؟! إنّ العلم التقليدي يقول: إنّ المخ هو الجزء المسؤول عن التفكير والتفقه، ولكني افترضت أنّ القرآن يتحدّث عن قلب غير الذي نعرفه، (والذي مكانه التشريحي داخل القفص الصدري)، لكنني وجدت الآية (46) في سورة الحج تحدد مكان هذا القلب: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج/ 46).
إذن هو القلب الذي ينبض في صدورنا، وهو عبارة عن نسيج عضلي أو مضخة كما قال سيد الخلق (ص): "ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب" (متفق عليه).
- القلب ليس مجرّد مضخة للدم:
يضخ القلب في اليوم الواحد أكثر من سبعين ألف لتر من الدم بلا توقف أو كلل، مما يجعل القلب محطة الضخ الرئيسة للدم منه إلى الأعضاء لتزويدها بالأوكسجين المحمل في الدم القادم من الرئتين.
ولكن هل من الممكن أن يكون للقلب دور آخر؟ بدأت القصة منذ سنوات عندما لاحظ العلماء أنّ هناك علاقة بين القلب والدماغ، ووجدوا علاقة قوية بين ما يفهمه ويشعر به الإنسان، وبين معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس في الرئتين، ومن هنا بدؤوا يلاحظون أنّ القلب يؤثِّر بطريقة ما على الدماغ.
يقول د. "رولين مكارتي" بمعهد حسابيات القلب بكاليفورنيا: إنّ القلب له قدرة فائقة وفريدة في التحكّم في المخ وباقي أعضاء الجسم، ويضيف قائلاً: كما أن له أيضاً وظائف هرمونية، ويعمل كجهاز حسّي، فالقلب يستقبل المعلومات القادمة إليه من مختلف أنحاء الجسم مع القدرة الذاتية المتطوّرة على معالجتها وتخزينها، أو بوصف آخر: إنّ "القلب بداخله عقل".
تشريحياً، يوجد في القلب آلاف الخلايا العصبية التي تعمل بدقة شديدة على تنظيم معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات، ثمّ يتم إرسال المعلومات إلى الدماغ، وهذه، المعلومات تلعب دوراً مهمّاً في الفهم والإدراك، كما يقول الدكتور "آندرو آرمور" بمعهد حسابيات القلب.
- القلب والأحاسيس.. وتجربة عملية تجربة عملية:
أغمض عينيك، ثمّ فكِّر في شخص تحبه جدّاً (أحد والديك أو أبنائك مثلاً)، فسوف تحس بالإحساس في صدرك وليس في رأسك، إذن القلب فعلاً هو مصدر ومصنع الأحاسيس وليس العقل، الشيء نفسه يحدث عندما تفاجأ بشيء أو تفرح أو تحزن، فإنّك تضع يدك على صدرك دون أن تشعر.
وإذا تمّ تبديل قلبك بقلب آخر فبالتأكيد سوف تختلف نظرتك لما حولك، ومن الجدير بالذكر أنّ كثيراً من المرضى الذين خضعوا لعملية زراعة القلب الاصطناعي يلاحظون بعد الجراحة أنّ هناك تغيّراً ملحوظاً في مشاعرهم وعواطفهم، بل حتى بعض عاداتهم ومعتقداتهم. وهناك أيضاً القصة المشهورة لعالم الإقتصاد الأمريكي الذي تعرض لفشل في عضلة القلب، ثمّ اضطر الأطباء إلى نقل قلب رجل متوفى حديثاً وهو قاتل تم إعدامه، بعد العملية بسنوات تغيّر سلوك وتفكير هذا العالم، وأصبح يميل إلى العدوانية إلى أن أصبح مجرماً في النهاية.
وأيضاً نذكر قصة الرجل الذي نقل إليه قلب شاب صغير مولع بالوجبات السريعة، فأصبح الرجل بعد العملية يعشقها بعد أن كان يطيقها، وكثير من المرضى الذين خضعوا لعملية نقل وزراعة القلب أكّدوا حدوث تغيّرات سلوكية، بل وفي أفكارهم ومعتقداتهم أيضاً.
- خلايا القلب لها ذاكرة:
يؤكِّد كثير من العلماء أنّ خلايا القلب لها القدرة على تخزين المعلومات، ويقول الدكتور "شوارتز" أستاذ السيكولوجي بجامعة "أريزونا": إنّ الذاكرة ليست فقط في الدماغ، بل قد يكون القلب محركاً لها ومشرفاً عليها، ثمّ يذكر قصة الأُم التي توفي صغيرها، ثمّ قررت التبرع بقلبه لطفل آخر، وقامت بمراقبة هذا الطفل جيِّداً بعد عملية الزرع، حيث تقول هذه الأُم: "إنّني أحس دائماً بأنّ ولدي ما زال على قيد الحياة، فعندما أقترب من هذا الطفل (الذي يحمل قلب ابنها) أشعر بدقات قلبه، وعندما عانقني أحسست بأنّه طفلي تماماً، إنّ قلب هذا الطفل يحوي معظم ابني".
- القلب يساعد على الفهم والأداء السليم: يؤكِّد بعض العلماء بمعهد حسابيات القلب أنّ المعلومات تتدفق من القلب إلى الدماغ عبر قنوات مشتركة، وتقوم بتوجيه خلايا الدماغ لتتمكن من الفهم والاستيعاب.
يقول د. "رولين مكارتي": كلّما كان أداء القلب أفضل كان الفهم والإدراك أفضل، وكلّما كانت المشاعر في القلب إيجابية، كان هناك ترابط وتناغم بين القلب والجهاز العصبي، مما يساعد على زيادة الفهم والتحصيل، وقد استطاع أن يثبت هذه النظرية على طلاب المدارس الذين قام بعمل أبحاثه من خلالهم، لذلك يمكن القول: إنّ العقل السليم في القلب السليم، أو بمعنى آخر: إنّ القلب السليم يساعد صاحبه على الفهم أكثر.
- القلب يؤثِّر على عقول الآخرين:
في كتابه "شفرة القلب"، يقول الدكتور "بيرسال": "إنّ القلب يحسّ ويشعر ويتذكر ويرسل موجات خاصة تمكنه من التفاهم مع القلوب الأخرى، كما أنّه يستقبل المعلومات ويرسلها إلى كل أجزاء الجسم مع كل دقة من دقاته"، ويفسر الباحثون هذه الظاهرة بأنّ المجال الكهرومغناطيسي للقلب قوي جدّاً، ويؤثِّر على من حولنا من البشر، أي أنّ الإنسان يمكن أن يتصل مع غيره من خلال قلبه فقط دون أن يتكلّم!!
إذا قلت لشخص كلمة طيِّبة لكن بنية صادقة فإنّ قلبك يرسل موجات كهرومغناطيسية إلى قلب ومخ هذا الشخص وتجعله يشعر بالإرتياح، وقد وجد العلماء أنّ المجال الكهربائي للقلب أقوى مائة مرّة من المخ، وأنّ المجال المغناطيسي للقلب أقوى بخمسة آلاف مرّة من المخ.
- أبحاث مستقبلية:
إنّ القلب هو أغلى ما نمتلكه، فحافظ عليه بالرياضة البدنية، وكذلك بالرياضة الإيمانية والروحانية، وإن لم تفعل ستندم كثيراً، فإن صلح قلبك صلح حالك..
بقي أن نقول: إنّه من المخزي فعلاً أنّ هذه الأبحاث العلمية لا يتم عملها في العالم الإسلامي مع أنّنا الأولى ببحثها لما عندنا من الكنوز والدلائل القرآنية والنبوية، خاصة أنّه مازال هناك الكثير من الأبحاث العلمية لإنجازها.